أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
للمالك ان يتصرف في ملكه كيفما يشاء ومتى ما يشاء هذا القول صحيح اذا كان المبيع مملوكا للبائع ملكا خاصاً وخالصاً له ،لكن الأمر يختلف حينما يقوم المستأجر لأرض الدولة أو الوقف ببيع بيته أو البناء المملوك له القائم على أرض الدولة أو الوقف المؤجرة له، فان البيع من غير إذن الهيئة العامة للأراضي يكون جريمة يعاقب عليها القانون حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10/2/2018م في الطعن رقم (60056)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المحكمة الابتدائية قضت (بإدانة المتهمين (البائع والمشتري) بالتهمة المسندة اليهما في قرار الاتهام والحكم على كل واحد منهما بدفع خمسين الف ريالاً غرامة للخزينة العامة وإلغاء وثيقة البيع المؤرخة… ،وعلى المدانين تحرير وثيقة بديلة تتضمن ان الأرض المقام عليها البيت المبيع ملك الدولة وعلى المشتري مراجعة مكتب هيئة الأراضي لاستيفاء الإجراءات اللازمة قانوناً) وقد ورد في أسباب الحكم (ان عقد الإيجار بيد المتهم الأول من هيئة أراضي الدولة مشروط بعدم جواز تنازل المستأجر عن مساحة الأرض أو جزء منها بأي وجه من أوجه التصرف إلا بعد الرجوع إلى مكتب الهيئة وأخذ الموافقة الكتابية، فالمتهم الأول خالف هذا الشرط وباع البيت المقام على أرض الدولة من غير ان يراجع مكتب الهيئة ويأخذ موافقته على التصرف ،اما المتهم الثاني فقد قام بالبناء على بقية الأرض الملحقة بالبيت الذي اشتراه دون موافقة الهيئة).
ثم قضت شعبة الأموال العامة (بتأييد الحكم الابتدائي ،لان التهمة ثابتة في حق المستأنف وهي قيامه ببيع البيت المقام على الأرضية المملوكة للدولة دون الإشارة في وثيقة البيع إلى عقد الإجارة من الدولة وعدم الرجوع إلى مكتب الهيئة لأخذ الموافقة على التصرف) اما الدائرة الجزائية فقد قضت بعدم قبول الطعن شكلاً لتقديمه بعد مضي المدة ومصادرة الكفالة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: التجريم والعقاب للاعتداء على أرض الدولة وتوصيتنا:
من خلال الإطلاع على قرار الإتهام نجد ان النيابة العامة قد استندت في قرار الإتهام إلى المادة (47) من قانون أراضي وعقارات الدولة التي نصت على أنه (مع عدم الإخلال بأية عقوبة اشد ينص عليها قانون آخر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على أربع سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرين الف ريالاً أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يعتدي بأي وجه من الوجوه على أراضي وعقارات الدولة المخصصة والمراهق العامة الواقعة في نطاق المدن وتكون العقوبة هي الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات اذا صاحب الإعتداء إستعمال القوة أو التهديد بإستعمالها أو تم ذلك اعتماداً على سلطة وظيفية أو إستغلال نفوذ أو الوجاهة وتتعدد العقوبات بتعدد الافعال وتضاعف في حالة العود) وإستناداً إلى هذا النص فقد قضى الحكم محل تعليقنا بإدانة المتهمين ومعاقبتهما كل واحد منها بدفع خمسين الف ريالا غرامة للخزينة العامة، ونلاحظ أيضاً ان العقوبة غير رادعة سواءً المذكورة في النص أو تلك التي قضى بها الحكم الابتدائي المؤيد من محكمة الاستئناف، وهذا الأمر يفسر كثرة الإعتداءات على أراضي الدولة.ولذلك نوصي الجهات المعنية پإعادة النظر في العقوبات الواردة في المادة 47 وتحديد العقوبة المناسبة لكل صورة من جريمة الاعتداء بما يناسبها لأن العقوبة المقررة في النص السابق واحدة لأفعال تختلف من حيث اثارها وخطورتها .
الوجه الثاني: بيع المستأجر لأرض الدولة ضمن جرائم الاعتداء على أرض الدولة:
من خلال استقراء نص المادة (47) من قانون الأراضي السابق ذكرها نجد ان الاعتداءات على أراضي الدولة تتخذ صوراً متعددة من حيث نوع الاعتداء والمكان الذي يقع الاعتداء عليه وصفات المعتدين وكيفية الاعتداء وطريقته ،ولذلك فان جرائم الاعتداء على أملاك الدولة كثيرة ، ولذلك فان قيام المستأجر ببيع أرض الدولة بصفة مستقلة أو تبعاً للبناء القائم عليها نوع من أنواع جرائم الاعتداء على أراضي الدولة، ومن وجهة نظرنا فان قيام المستأجر بالبيع في هذه الحالة يعد ظرفاً مشدداً بالنظر إلى صفة المستأجر التي توجب عليه وفقا لأحكام الشرع والقانون وعقد الإيجار المحافظة على العين المؤجرة كما أن بيع عقار الغير يعد جريمة في قانون الجرائم والعقوبات وكذا بالنظر إلى اثر الجريمة التي يترتب عليها إخراج العقار من ملكية الدولة وبالنظر إلى ان الاعتداء على الملك العام اكثر خطرًا واثرًا من الاعتداء على الأموال الخاصة إضافة الى ان قيام المستأجر ببيع العقار الذي استأجره من الدولة يدل على سوء نية المستأجر وغدره لاسيما وان عقد الإيجار يصرح بمنعه من التصرف بالأرض المؤجرة له من الدولة.
الوجه الثالث: الحكم بإبطال التصرف في أرض الدولة:
قضى الحكم محل تعليقنا بإبطال وثيقة البيع للبيت لان البصيرة أو وثيقة البيع جاءت صيغتها عامة شاملة للمنزل وأرض الدولة التي يقوم عليها المنزل، لان التصرف بأرض الدولة قد صدر من غير المالك فهو باطل لان القانون المدني قد اشترط في البائع ان يكون مالكاً للعين المبيعة، وارشد الحكم المتهمين إلى تحرير وثيقة بديلة تكون قاصرة على بيع البيت القائم على أرض الدولة، كما ارشد الحكم المشتري إلى تصحيح وضعه بمراجعة الهيئة العامة للأراضي لسداد المأذونية المقررة قانوناً والحصول على عقد إيجار من هيئة الأراضي وفقاً للقانون.
الوجه الرابع: مسئولية الأمين الشرعي الذي قام بتحرير بصيرة البيع:
من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان الأمين الشرعي قد قصر وأهمل إهمالاً جسيماً في أداء واجبه القانوني حينما قام بتحرير البصيرة دون ان يتحقق من ملكية الأرض والمستندات المؤيدة لذلك مع ان قانون التوثيق قد اوجب على الأمين ان يقوم بالتحقق من مستندات ملكية البائع كما ان قانون التوثيق مثل قانون أراضي وعقارات الدولة ولائحته التنفيذية وقانون الوقف ولائحته قد اوجبت القوانين المشار اليها على الأمين التأكد بما لا يدع مجالاً للشك بان الأرض المراد بيعها ليست من أموال الوقف أو الدولة، فكان الأولى معاقبة الأمين الذي قام بتحرير البصيرة والله اعلم .